مقدمة: المغرب على مفترق طرق النمو والتنمية العادلة
عند الحديث عن اقتصاد أي بلد، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو مدى نموه وتطوره، وكيف يؤثر هذا النمو على حياة المواطنين. في عام 2023، سجل المغرب أداءً اقتصاديًا لافتًا، حيث نما اقتصاده بنسبة 3.7%. هذا الرقم قد يبدو مبشرًا للوهلة الأولى، ويشير إلى قدرة الاقتصاد المغربي على التعافي ومواصلة التقدم رغم التحديات العالمية. لقد وصل الناتج المحلي الإجمالي (GDP) للبلاد، وهو مقياس أساسي لقيمة جميع السلع والخدمات المنتجة في المغرب، إلى حوالي 1.48 تريليون درهم بالأسعار الجارية. هذا المبلغ الضخم يعكس حجم النشاط الاقتصادي في المملكة خلال العام.
ولكن، وكما يشير تقرير حديث صادر عن المندوبية السامية للتخطيط (HCP)، فإن هذه الصورة الإيجابية للنمو الاقتصادي لها وجه آخر لا يقل أهمية، وهو التفاوتات الجهوية. فبينما شهدت بعض المناطق في المغرب "تقدمًا قويًا"، تخلفت مناطق أخرى عن الركب. هذا يعني أن ثمار هذا النمو لم تُوزع بالتساوي على جميع أرجاء المملكة، مما خلق فوارق واضحة بين الجهات، سواء على مستوى الأداء الاقتصادي أو حتى على مستوى دخل الفرد. في هذه المقالة، سنغوص في تفاصيل هذا التقرير لنفهم بشكل أعمق أبعاد النمو الاقتصادي والتفاوتات الجهوية في المغرب، وما تعنيه هذه الأرقام للمبتدئين في فهم الاقتصاد.
فهم النمو الاقتصادي في المغرب عام 2023
لفهم الوضع الاقتصادي للمغرب، من الضروري أن نبدأ بفهم معنى النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي (GDP). ببساطة، النمو الاقتصادي هو زيادة في حجم الاقتصاد خلال فترة زمنية محددة. أما الناتج المحلي الإجمالي فهو القيمة الإجمالية لجميع السلع والخدمات النهائية التي تم إنتاجها داخل حدود بلد معين في فترة زمنية معينة.
نظرة عامة على الأداء الاقتصادي الوطني
في عام 2023، أظهر الاقتصاد المغربي علامات تعافٍ واضحة، حيث حقق نموًا بنسبة 3.7%. هذه النسبة تعني أن قيمة السلع والخدمات المنتجة في المغرب زادت بهذا القدر مقارنة بالعام السابق. وقد وصل إجمالي الناتج المحلي (GDP) إلى 1.48 تريليون درهم مغربي بالأسعار الجارية. مصطلح "بالأسعار الجارية" يعني أن هذه الأرقام تعكس قيم السلع والخدمات بأسعارها الفعلية في السوق خلال عام 2023، دون تعديل لتأثير التضخم. هذا الرقم يشير إلى حجم الاقتصاد المغربي الإجمالي وقدرته على إنتاج الثروة.
تقرير المندوبية السامية للتخطيط يسلط الضوء على أن هذا النمو جاء في سياق "تحديات عالمية". هذا يعني أن الاقتصاد المغربي أظهر مرونة وقدرة على التكيف مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي تؤثر على العديد من الدول حول العالم، مثل ارتفاع أسعار الطاقة أو اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية. ومع ذلك، فإن هذه الصورة العامة للنمو لا تحكي القصة كاملة، حيث تخفي وراءها تباينات جهوية عميقة تستحق التدقيق.
الأقطاب الجهوية المحركّة للنمو
لم يكن النمو الاقتصادي متجانسًا في جميع أنحاء المغرب. بل تفاوت الأداء بشكل كبير من جهة لأخرى، حيث برزت بعض الجهات كقاطرات حقيقية لهذا النمو، بينما تخلفت أخرى.
-
الداخلة-وادي الذهب: تصدرت هذه الجهة الجنوبية قائمة المناطق الأكثر نموًا في عام 2023، محققة معدل نمو مذهل بلغ 10.1%. هذا الأداء القوي يعزى بالأساس إلى قطاعي الصيد البحري والبناء. الصيد البحري يعتبر دعامة أساسية لاقتصاد الجهة نظراً لموقعها الساحلي الغني بالثروات السمكية، بينما يعكس قطاع البناء النشاط الاستثماري والتوسع العمراني في المنطقة. هذا النمو القوي في الداخلة-وادي الذهب لم ينعكس فقط على معدل النمو العام، بل أيضاً على مستوى دخل الفرد، كما سنرى لاحقاً.
-
فاس-مكناس: جاءت جهة فاس-مكناس في المرتبة الثانية من حيث الأداء، مسجلة نموًا بنسبة 8.9%. وقد دعم هذا النمو بشكل خاص قطاعا الفلاحة والخدمات. تعد المنطقة من أبرز المناطق الفلاحية في المغرب، كما أن قطاع الخدمات، الذي يشمل السياحة والتجارة والتعليم والصحة، يلعب دورًا محوريًا في خلق فرص العمل والقيمة المضافة بالجهة.
-
مراكش-آسفي: حققت هذه الجهة أداءً جيدًا أيضاً بنسبة نمو بلغت 6.3%. وكان المحرك الرئيسي لهذا الأداء هو انتعاش قطاع السياحة. بعد التحديات التي واجهها القطاع في السنوات الماضية، شهدت مراكش-آسفي عودة قوية للسياح، مما ساهم بشكل كبير في تنشيط الاقتصاد المحلي وخلق إيرادات ووظائف.
هذه الأمثلة تبرز كيف أن الجهات التي تتمتع بقطاعات اقتصادية نشطة ومحركات نمو قوية (مثل الصيد، البناء، الفلاحة، الخدمات، والسياحة) كانت الأكثر استفادة من الدينامية الاقتصادية العامة للبلاد في 2023.
وجه آخر للعملة: التفاوتات الجهوية الصارخة
على النقيض من الجهات المزدهرة، كشف تقرير المندوبية السامية للتخطيط عن وجود تفاوتات جهوية "كبيرة". لم تشهد جميع الجهات نموًا إيجابيًا؛ بل إن بعضها عانى من انكماش اقتصادي، مما يسلط الضوء على تحديات هيكلية عميقة.
المناطق المتأخرة والقطاعات المتضررة
بينما كانت بعض الجهات تحقق معدلات نمو عالية، شهدت جهتان مغربيتان انكماشًا في اقتصادهما، أي تراجعًا في حجم نشاطهما الاقتصادي:
- بني ملال-خنيفرة: انكمش اقتصاد هذه الجهة بنسبة 1.3%.
- الجهة الشرقية: شهدت انخفاضًا بنسبة 1%.
السبب الرئيسي المشترك لهذا الانكماش في كلتا الجهتين هو "ضعف الإنتاج الفلاحي". هذا يشير إلى أن الجهات التي تعتمد بشكل كبير على الفلاحة، خاصة تلك التي قد تكون عرضة للتقلبات المناخية أو تحديات الإنتاج، يمكن أن تتأثر بشكل مباشر وتواجه تراجعًا اقتصاديًا إذا لم يكن هناك تنوع كافٍ في هيكلها الاقتصادي. إن ضعف الإنتاج الفلاحي يؤثر ليس فقط على المزارعين، بل أيضاً على الصناعات المرتبطة بالفلاحة وعلى القدرة الشرائية للسكان المحليين.
تركز الثروة الوطنية في جيوب محدودة
من أبرز النتائج التي كشف عنها التقرير هي أن "توزيع الثروة الوطنية في عام 2023 استمر في إظهار تركز كبير في جهات معينة". هذا يعني أن معظم الثروة التي ينتجها المغرب لا يتم توليدها في جميع الجهات بالتساوي، بل تتركز بشكل كبير في عدد قليل من المراكز الاقتصادية. التقرير يؤكد على "الدور الحاسم لبعض المراكز الاقتصادية" في المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي الوطني.
دعونا نلقي نظرة على الأمثلة:
- الدار البيضاء-سطات: هذه الجهة وحدها أنتجت ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي الوطني. هذا رقم ضخم يؤكد المكانة المركزية للدار البيضاء كعاصمة اقتصادية للمغرب، بفضل تركيز الصناعات والخدمات المالية والتجارية فيها.
- الدار البيضاء-سطات، الرباط-سلا-القنيطرة، وطنجة-تطوان-الحسيمة: هذه الجهات الثلاث مجتمعة "ولدت ما يقرب من 60% من إجمالي الناتج الاقتصادي للمغرب". هذا التركيز الهائل للإنتاج الاقتصادي في ثلاث جهات فقط يسلط الضوء على عمق التفاوتات الجهوية. هذه الجهات الثلاث، التي تضم مدنًا كبرى وموانئ حيوية ومراكز صناعية، تستقطب الجزء الأكبر من الاستثمارات والأنشطة الاقتصادية.
ماذا يعني هذا التركيز بالنسبة للمبتدئين؟ يعني أن معظم فرص العمل، والشركات الكبرى، والخدمات المتقدمة تتركز في هذه الجهات. بينما تعاني الجهات الأخرى من نقص في هذه الفرص، مما يؤثر على قدرتها على النمو وتوفير مستوى معيشة مرتفع لسكانها.
مناطق تساهم بشكل محدود في الناتج الوطني
في المقابل، أشار تقرير المندوبية السامية للتخطيط إلى أن بعض الجهات كان لها "دور صغير فقط في خلق الثروة الوطنية". هذه الجهات، على الرغم من مساحتها الجغرافية وعدد سكانها، لا تساهم إلا بنسبة ضئيلة جدًا في الناتج المحلي الإجمالي الكلي للبلاد.
تحديدًا، أشار التقرير إلى:
- درعة-تافيلالت والجهات الجنوبية الثلاث (كلميم-وادي نون، العيون-الساقية الحمراء، والداخلة-وادي الذهب): هذه الجهات الأربع مجتمعة ساهمت بنسبة 7.6% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب.
- درعة-تافيلالت: شكلت مساهمتها 2.8%.
- الجهات الجنوبية الثلاث: شكلت مساهمتها 4.8%.
هنا نلاحظ نقطة مهمة: على الرغم من أن جهة الداخلة-وادي الذهب كانت رائدة في معدل النمو (10.1%)، إلا أن مساهمتها ضمن مجموع الجهات الجنوبية الثلاث لا تزال صغيرة نسبياً في الناتج المحلي الإجمالي الوطني (4.8% لثلاث جهات). هذا يعني أن الاقتصاد في هذه الجهات، على الرغم من قدرته على النمو بوتيرة سريعة، لا يزال صغير الحجم مقارنة بالاقتصادات الضخمة في الشمال (مثل الدار البيضاء-سطات التي تساهم بالثلث لوحدها). هذا التباين يسلط الضوء على أن النمو القوي في منطقة صغيرة قد لا يغير بشكل كبير من الصورة العامة للتركيز الاقتصادي على المستوى الوطني.
الفجوات الاجتماعية والاقتصادية: دخل الفرد أنموذجًا
إن التفاوتات في الأداء الاقتصادي ومساهمة الجهات في الناتج المحلي الإجمالي تترجم بشكل مباشر إلى فجوات عميقة في مستويات المعيشة والدخل للأفراد. هذا هو الجانب الأكثر حساسية ووضوحًا لـ التفاوتات الجهوية بالنسبة للمواطنين.
تباين مستويات الاستهلاك والدخل
أكد تقرير المندوبية السامية للتخطيط أن "الفجوات في استهلاك الأسر ودخل الفرد اتسعت" في عام 2023. هذا يعني أن الفروقات بين ما ينفقه الأفراد وما يجنونه من دخل أصبحت أكبر بين سكان الجهات المختلفة. هذه الفجوات هي مؤشر على تفاوتات في الفرص الاقتصادية، وفي الوصول إلى الخدمات الأساسية، وفي جودة الحياة عمومًا.
لتبسيط الأمر، دعونا نأخذ مثالاً صارخًا من التقرير:
- الداخلة-وادي الذهب: بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في هذه الجهة أكثر من 89,000 درهم مغربي. هذا الرقم يعكس متوسط نصيب الفرد من الثروة المنتجة في الجهة، وهو يعتبر مرتفعًا نسبيًا.
- درعة-تافيلالت: في المقابل، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في هذه الجهة حوالي 25,000 درهم مغربي فقط.
المقارنة بين الرقمين مدهشة: نصيب الفرد في الداخلة-وادي الذهب كان "أكثر بثلاث مرات" مما هو عليه في درعة-تافيلالت. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات؛ بل تعكس واقعًا معيشيًا مختلفًا تمامًا. فدخل الفرد الأعلى في الداخلة-وادي الذهب يعني عمومًا قدرة أكبر على الاستهلاك، والوصول إلى تعليم أفضل، ورعاية صحية أحسن، وفرص عمل أعلى، وجودة حياة أفضل بشكل عام. بينما الدخل المنخفض في درعة-تافيلالت يشير إلى تحديات أكبر في تلبية الاحتياجات الأساسية، ومحدودية في الفرص، وهو ما قد يؤدي إلى شعور بالتهميش.
هذه الفجوات المتسعة في دخل الفرد بين الجهات المختلفة تؤكد أن النمو الاقتصادي الوطني، حتى لو كان إيجابيًا ككل، لا يُترجم بالضرورة إلى تحسن ملموس في ظروف معيشة جميع المواطنين في كل الجهات.
لماذا تحدث التفاوتات الجهوية؟ (تحليل مبسط للمبتدئين)
بعد استعراض الأرقام والبيانات، قد يتساءل المبتدئ: لماذا تحدث هذه التفاوتات الجهوية الكبيرة في بلد واحد؟ بالاعتماد على ما ورد في المصادر، يمكننا أن نفهم الأسباب الرئيسية بشكل مبسط:
-
اختلاف الهياكل الاقتصادية: المصادر تظهر بوضوح أن الجهات الرائدة في النمو مثل الداخلة-وادي الذهب تستفيد من قطاعات قوية وذات قيمة مضافة عالية مثل الصيد البحري والبناء. بينما فاس-مكناس ومراكش-آسفي تستفيدان من الفلاحة والخدمات والسياحة. في المقابل، الجهات التي تعاني من الانكماش مثل بني ملال-خنيفرة والجهة الشرقية، تعرضت لضعف الإنتاج الفلاحي. هذا يعني أن اعتماد بعض الجهات على قطاعات معينة قد يجعلها أكثر عرضة للتقلبات (مثل تقلبات المناخ التي تؤثر على الفلاحة) من الجهات ذات الاقتصادات المتنوعة والقوية.
-
تركز الاستثمارات والبنية التحتية: يشير التقرير إلى أن معظم الثروة الوطنية تتركز في عدد قليل من المراكز الاقتصادية. هذا يشمل جهات مثل الدار البيضاء-سطات، الرباط-سلا-القنيطرة، وطنجة-تطوان-الحسيمة التي تولد حوالي 60% من الناتج الاقتصادي. هذا التركيز يعني أن هذه الجهات تستقطب الجزء الأكبر من الاستثمارات سواء الحكومية أو الخاصة في البنية التحتية (كالطرق، الموانئ، المطارات) وفي المصانع والشركات الكبرى والمرافق التعليمية والصحية المتقدمة. بطبيعة الحال، فإن توفر هذه المقومات يجذب المزيد من الأنشطة الاقتصادية واليد العاملة الماهرة، مما يديم ويعزز النمو في هذه المراكز على حساب الجهات الأخرى التي قد تفتقر لهذه الاستثمارات.
-
حجم ونوعية الأنشطة الاقتصادية: حتى الجهات التي تشهد نموًا عاليًا، مثل الداخلة-وادي الذهب (10.1%)، قد لا يكون لها مساهمة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي الوطني الإجمالي إذا كان حجم اقتصادها الأساسي صغيرًا. هذا يوضح أن الجهات الكبيرة اقتصاديًا هي التي تؤثر بشكل أكبر على الأرقام الوطنية، وأن تنويع الأنشطة الاقتصادية وزيادة حجمها في الجهات الأقل مساهمة هو أمر أساسي لتقليل التفاوتات.
هذه العوامل تتفاعل مع بعضها لتخلق مشهدًا اقتصاديًا غير متجانس، حيث تستفيد بعض المناطق من مزايا هيكلية واستثمارية، بينما تواجه مناطق أخرى تحديات تعيق نموها وتطويرها.
التحديات والآفاق المستقبلية: أهمية معالجة التفاوتات
إن الكشف عن هذه التفاوتات الجهوية من قبل المندوبية السامية للتخطيط ليس مجرد سرد للأرقام، بل هو إشارة واضحة إلى تحدٍ تنموي هام يواجه المغرب. ففي حين أن النمو الاقتصادي الإجمالي بنسبة 3.7% يعد إنجازًا إيجابيًا يعكس قدرة الاقتصاد على التوسع، فإن عدم تساوي توزيع ثمار هذا النمو يثير تساؤلات حول طبيعة هذا التوسع الشامل والعدالة الاجتماعية والاقتصادية.
تُعد معالجة التفاوتات الجهوية أمرًا بالغ الأهمية لعدة أسباب:
- تحقيق التنمية المتوازنة: لا يمكن لدولة أن تحقق إمكاناتها التنموية الكاملة إذا كانت أجزاء كبيرة منها تتخلف عن الركب. فالتنمية المستدامة تتطلب إشراك جميع الجهات وتفعيل طاقاتها الاقتصادية والبشرية.
- تعزيز اللحمة الاجتماعية: الفجوات الواسعة في الدخل والفرص، كما يظهر من مقارنة نصيب الفرد في الداخلة-وادي الذهب ودرعة-تافيلالت، يمكن أن تؤدي إلى شعور بالتهميش وعدم الرضا لدى سكان الجهات الأقل حظًا. إن تقليص هذه الفجوات يساهم في بناء مجتمع أكثر عدلاً وتضامنًا.
- الاستفادة القصوى من الموارد: كل جهة في المغرب لديها إمكاناتها ومواردها الفريدة. معالجة التفاوتات تعني العمل على تحديد هذه الإمكانات واستغلالها بالشكل الأمثل، سواء كان ذلك في الصيد البحري، الفلاحة، السياحة، أو غيرها من القطاعات التي تساهم في النمو.
إن تقرير المندوبية السامية للتخطيط يقدم للمغرب مرآة عاكسة لواقعه الاقتصادي، حيث يظهر التقدم المحرز ولكنه يسلط الضوء أيضًا على أوجه القصور التي لا يزال يتعين معالجتها لضمان أن يكون النمو الاقتصادي في المغرب نموًا شاملاً ومستدامًا يستفيد منه الجميع. هذه البيانات تُعد أساسًا لأي استراتيجيات مستقبلية تهدف إلى تحقيق تنمية جهوية متوازنة وعادلة.
الخاتمة: نحو مستقبل اقتصادي أكثر إنصافًا
لقد كشف تقرير المندوبية السامية للتخطيط عن صورة مزدوجة للوضع الاقتصادي في المغرب عام 2023. من جهة، شهدنا نموًا وطنيًا صحيًا بلغ 3.7%، مع ناتج محلي إجمالي قدره 1.48 تريليون درهم بالأسعار الجارية، مدفوعًا بأداء قوي في جهات مثل الداخلة-وادي الذهب، فاس-مكناس، ومراكش-آسفي بفضل قطاعات حيوية كالصيد، البناء، الفلاحة، والخدمات والسياحة. هذا يعكس مرونة وقدرة الاقتصاد المغربي على التعافي.
من جهة أخرى، أظهر التقرير بوضوح أن التفاوتات الجهوية في المغرب آخذة في الاتساع. فقد شهدت جهات مثل بني ملال-خنيفرة والشرق انكماشًا بسبب ضعف الإنتاج الفلاحي. والأخطر من ذلك هو التركيز الهائل للثروة في عدد قليل من المراكز الاقتصادية، حيث أنتجت الدار البيضاء-سطات وحدها ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي، بينما ساهمت ثلاث جهات رئيسية بنحو 60% من إجمالي الإنتاج الاقتصادي. هذا في الوقت الذي تساهم فيه جهات أخرى، بما في ذلك درعة-تافيلالت والجهات الجنوبية، بنسبة محدودة جدًا في الناتج الوطني. تترجم هذه التفاوتات الاقتصادية إلى فجوات صارخة في دخل الفرد، حيث يتجاوز نصيب الفرد في الداخلة-وادي الذهب ثلاثة أضعاف نظيره في درعة-تافيلالت.
إن هذه الحقائق تدعونا إلى التفكير مليًا في كيفية ضمان توزيع أكثر عدلاً لثمار النمو الاقتصادي، وكيف يمكن بناء استراتيجيات تنموية جهوية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات وإمكانات كل منطقة. إن التحدي لا يقتصر على تحقيق النمو فحسب، بل على جعله نموًا شاملًا يعود بالنفع على جميع المغاربة، أينما كانوا.
ما رأيكم في هذه التفاوتات الجهوية؟ وما هي برأيكم أهم الخطوات التي يمكن اتخاذها لضمان توزيع أكثر عدالة لثمار النمو الاقتصادي في المغرب؟ شاركونا آراءكم وأفكاركم في التعليقات أدناه!